مرض الاعتلال الدماغي الإسفنجي في الأبقار ( Bovine Spongitorm Encephalopathy ) " BSE " والذي يطلق عليه أحياناً لفظ مرض جنون البقر ( Mad Cow Disease ) وهو مرض قاتل يصيب الجهاز العصبي في الأبقار . وقد أكتشف هذا المرض لأول مرة في المملكة المتحدة عام 1986 م عقب حدوث حالة مرضية عام 1985 م . وقد عرض التعريف بهذا المرض مكتشفه " ويلز " وزملاءه في المختبرات المركزية للبحوث البيطرية في " واي بروج " بالمملكة المتحدة في 31 من أكتوبر لعام 1987 م ، وكونت على أثر ذلك لجان بريطانية خرجت في ذلك الحين أن هذا المرض يكاد يكون مستحيل الانتقال إلى الإنسان ، وأن العائل النهائي للمرض لن يتعدى أن يكون البقرة ، ولعل مثل هذا الإفتراض بدأ يتزحزح شيئاً فشيئاً حتى وأنه قبل حوالي 3 سنوات فقط كان هناك من يشكك في انتقال هذا المرض للإنسان . ولكن تحول الشك إلى شبه مؤكد بأن المرض يمكن أن يصب الإنسان عن طريق تناوله للحوم أبقار مصابة خاصة وأن بداية نشأة المرض كانت بتغذية الأبقار على أحشاء ولحوم أغنام مصابة بمرض الرجفان ( Scrapie ) وينطلق العلماء بمعنى هذا التحول من الأغنام إلى الأبقار بالقول بأن المرض قد عبر حاجز النوع للمعيل له ، وهو ما قد يحدث من الانتقال من نوع الأبقار إلى الإنسان ، كما أن المرض ينتقل عن طريق الفم . فترة الحضانة : تمتد مدة حضانة المرض في الأبقار من 3 - 8 سنوات .
المسبب للمرض : حتى اليوم فإن السبب الحقيقي والصحيح لمرض جنون البقر غير معروف ، ويعتقد بأنه يحدث عن طريق عامل مرض كثيراً ما يسمى بالبرايون ( Prion ) والذي اكتشفه العالم " ستانلي بريستر " في الثمانينات ( وقد نال جائزة نوبل عن ذلك الاكتشاف عام 1997 م ) ، والبرايون هو أصغر الفيروس . وهذا العامل المرضي عالي الثبات ويقاوم التجميد والتجفيف والتسخين تحت درجات حرارة الطبخ العادية ، وحتى تلك المستخدمة في التعقيم . ولا يعرف حتى الآن مقدار العامل المسبب للإصابة اللازم تناوله قبل الإصابة بالمرض ،وقد يلعب الاستعداد الوراثي دوراً في ذلك أيضاً . . وقد تحدث أيضاً نسبة قليلة من حالات انتقال المرض من الأم إلى المولود ( أقل من 10 % ) ولكن ذلك في حدّ ذاته لا يديم المرض ، وهناك شك يدور حول إمكانية حدوث مرض جنون البقر بشكل تلقائي وف هذه الحالة ينبغي أن يستحيل نسب الإصابة به إلى الأعلاف الملوثة أو الانتقال القطعي .
الأعراض في الأبقار : لا تختلف كيفية الإصابة بمرض جنون البقر عن بقية الاعتلالات الإسفنجية في العوائل الأخرى ، فالعامل المسبب يتكاثر ثم ينتقل إلى فترة حضانة في النسيج اللمفاوي الشبكي ، فالأمعاء والأنسجة اللمفاوية الأخرى مثل الطحال ، ثم ينتقل إلى الدماغ عن طريق الدم أو خلال مسارات عصبية أخرى . وتشاهد أعراض المرض في الحيوانات البالغة التي تتراوح أعمارها بين 3 - 11 عاماً ( 4 - 5 أعموا في المتوسط ) ، وتشاهد أغلب الحالات في إناث الأبقار لكثرة عددها بالمقارنة مع الثيران ، وتشمل الأعراض : التوتر ، الخوف ، الاستجابة المفرطة للمؤثرات المختلفة مثل الصوت والضوء والسلوك العدواني والرفض ، إفراز اللعاب بغزارة ، واختلال حركة المشي ( يكون في البداية طفيفاً ثم يزداد وضوحاً ) ومن علاماته السير بخطوات عالية ، وشدّ الأرجل والركض والقفز والترنح والدوران والارتعاش والسقوط على الأرض أثناء المشي . كذلك يلاحظ سرعة التنفس وتحزق الحيوان أثناء التبول والتبرز ، كما تشاهد أحياناً تقلصات كزازية تغمر الجسم بأكمله خصوصاً بعد استلقاء الحيوان على صدره أو على جانبه في الأطوار الأخيرة للمرض ، ولكن بعكس الغنم لا يلاحظ حكاك واضح في البقر المريضة . ثم تتدهور صحة الحيوان بشكل مضطرد ويصاب تدريجياً بالهزال والخدل ، وينخفض إنتاجه ويموت في غضون شهر إلى ستة شهور .
التشخيص : لا يوجد حتى الآن اختبار مجاز لتشخيص مرض جنون البقر في الحيوانات الحية رغم أنه من الممكن عمل تشخيص ابتدائي مبني على العلامات الإكلينيكية للمرض ، وقد توصلت مجموعة من الباحثين في فرنسا إلى اختبار تشخيص للدم يسمى " المقايسة المناعية " ويفصح هذا الاختبار أيضاً الأنسجة الدماغية المأخوذة بعد الموت . ويبدو هذا الاختبار أكثر دقة بعض الشيء من الاختبارات الأخرى الأمر الذي يزيد من احتمال تمكن الاختبار من الكشف عن الحيوانات المصابة بعد الموت في مرحلة مبكرة قبل طور الحضانة والتي هي ممكنة في الوقت الحالي ، ويسمى أحد الاختبارات الجديدة المستخدمة في الحيوانات الحية بـ " اختبار الكنغرة " ( الرحيل الكهربائي ) المناعية الوعائية ( ICE ) ، وتبدو لهذا الاختبار مقدرة في الكشف عن الأغنام المصابة بمرض ( الإسكربي ) وعن مرض الهزال المزمن في الغزلان عن طريق فحص عينات الدم ، وعندما تستقر التقنية المستخدمة في هذا الاختبار للكشف عن مرض ( الإسكربي ) في الأغنام ستجرى محاولة لتصميم اختبار لمرض جنون البقر ( BSE ) . ولا يوجد هناك ضمان لنجاح هذا الاختبار لأن توزيع العامل المسبب لمرض جنون البقر من الأبقار يبدو مختلفاً تماماً عن الذي يحدث في مرض الأغنام . ويتم التشخيص في الوقت الحاضر عن طريق الفحص الميكروسكوبي لمخ الحيوان بعد الموت ، ولا يوجد علاج أو لقاح لهذا المرض حتى الآن .
أسباب حدوث المرض : يعتقد العلماء أن السبب في وباء جنون البقر الذي يظهر حالياً في المملكة المتحدة هو تغذية الأبقار بمضافات وجبتي اللحم والعظام التي تلوثت عرضياً بمسبب المرض ، ويبدو أن هذا الافتراض صحيح بدليل تفاقم المشكلة نتيجة الاستمرار في تغذية الأبقار الأخرى باستخدام المواد المعالجة المأخوذة من الأبقار المصابة بعد ذبحها ، وكما ذكر سابقاً فإن العامل المسبب لجنون البقر BSE شديد المقاومة لإجراءات التطهير العادية مثل التسخين ، وهذا يعني إمكانية عدم نجاح عملية المعالجة في التخلص من العامل المسبب للمرض وأنه قد يبقى نشطاً في المادة المعالجة . ويمنع القانون البريطاني في الوقت الحالي تغذية المجترات ببروتين الثدييات ( باستثناء الحليب أو أي من منتجاته وفوسفيت العظام الثنائي الكالسيوم والبلازما المجففة أو أي منتج دموي آخر ، والجيلاتين والأحماض الأمينية المنتجة من الجلود ) ، كما يمنع تغذية كل أنواع الماشية التي تربى في المزارع باستخدام وجبات العظام واللحم التي ينبع مصدرها من الثدييات .
أماكن انتشار المرض : يعتقد أن مرض جنون البقر قد انتشر في دول الاتحاد الأوروبي عن طريق الأعلاف الملوثة التي تم تصديرها من المملكة المتحدة ، ويواصل الاتحاد الأوروبي جهوده في الإعلان عن نتائج ما يستجد على الساحة عن حالات البقر المصابة الأمر الذي تسبب في إحداث اضطراب كبير في صناعة لحوم الأبقار بالاتحاد الأوروبي ، وفي مواجهة الزيادة الحادة في أعداد الحالات المصابة بجنون البقر التي تم الإبلاغ عنها في أماكن أخرى في أوروبا والحالات التي ظهرت داخلياً لأول مرة في أسبانيا وألمانيا فقد تدارس المجلس الزراعي الإجراءات الضرورية اللازم اتخاذها لمكافحة جنون البقر على نطاق واسع داخل دول الاتحاد الأوروبي ، وقد ذهب قرار الاتحاد الأوروبي الذي اتخذه مجلس وزارة الزراعة إلى تشدد أبعد من الشروط الأساسية للملكة المتحدة في الوقت الحالي حيث تم اعتباراً من يوم 1 يناير 2001 م حظر تغذية الحيوانات التي تحفظ أو تسمن أو تربى لإنتاج الغذاء باستخدام وجبات أو أحشاء الدواجن أو وجبات الريش أو وجبات الدم أو البلازما المجففة ومنتجات الدم الأخرى أو فوسفيت الكالسيوم الثنائي أو البروتينات المحللة بالماء ( فيما عدا فوسفيت الكالسيوم الثنائي والبروتينات المحللة بالماء المصنعة وفقاً للشروط التي ستحدد فيما بعد ) ، أو الجيلاتين ( فيما عدا الجيلاتين المستخدم كحامل للمضافات العلفية ) أو أية منتجات مشابهة أخرى ، كما تم منع استخدام وجبات الأسماك ( بودرة السمك ) في تغذية المجترات . أما في الولايات المتحدة الأمريكية فإن مثل هذه الاحتياطات قد اتخذت منذ أربع سنوات ماضية حيث تمت لمنع نشوء وانتشار مرض جنون البقر عن طريق الأعلاف وقامت إدارة الأغذية والعقاقير الأمريكية ( FDA ) بتنفيذ قانون نهائي سرى مفعوله اعتباراً من 4 أغسطس 1997 م يمنع تغذية الحيوانات المجترة باستخدام بروتين الثدييات في معظم الحالات . وقد تم حتى اليوم إجراء عدد 9.974 تفتيشاً على كل معالجي الأعلاف ومصانع الأعلاف وبعض صانعي أعلاف المجترات للتأكد من إذعانهم والتزامهم بهذه القوانين ، وقد كان لمختلف شرائح منتجي الأعلاف مستويات مختلفة من الإذعان لهذه الشروط ، وتواصل إدارة الأغذية والعقاقير مجهوداتها التنفيذية لتحقيق هدف التفتيش بنسبة 100 % ليشمل كل معالجي ومصانع الأعلاف وبعض صانعي أعلاف المجترات لتحقيق الالتزام بلوائح أعلاف المجترات بنسبة 100 % .
التقارير الدولية : يعلن مكتب الأوبئة الدولي ( OIE ) عن حالات الإصابة بمرض جنون البقر ( BSE ) على نطاق العالم بصفة منتظمة ، وقد ارتفع عدد حالات الإصابة بجنون البقر في المملكة المتحدة ووصل إلى ذروته في عام 1992 م حيث بلغ العدد 37.280 حالة ، لكنه ظل ينخفض كل عام حتى وصل إلى 1.101 حالة تم تشخيصها في عام 2000م ، وما تزال عدد حالات الإصابة بجنون البقر في ازدياد على نطاق العالم فيما عدا المملكة المتحدة . وينص أحد تقارير منظمة الصحة العالمية على أن المسح الشامل هو أحد المكونات الأساسية المسيطرة على الحالات الجديدة من الاعتلالات الدماغية الإسفنجية القابلة للانتقال والوقاية منها . وعلى الرغم من ذلك فإن الدول التي يوجد لديها نشاطات مسحية قائمة خاصة بمرض جنون البقر ومرض جاكوب كريزفيلد في وقتنا الحاضر هي الدول الصناعية فقط مثل : المملكة المتحدة وعدة أقطار من دول الاتحاد الأوروبي وكندا واستراليا والولايات المتحدة . أما عالمنا العربي والإسلامي فإن أكثر ما يمكن القيام به اليوم هو الجدية في منع استيراد لحوم الأبقار من الدول التي ظهرت فيها حالات المرض .